فهرست كتاب نكاح المتعة حلال  

 المقدمة

5

 دعوى عثمان الخميس حرمة نكاح المتعة

7

 الأدلة من الكتاب والسنة على مشروعية نكاح المتعة

9

 مناقشة ما استدل به عثمان الخميس على حرمة نكاح المتعة

24

 الأدلة على تحريم عمر لمتعة النساء

39

 

( نكاح المتعة حلال )

رد على دعوى الشيخ عثمان الخميس

حرمة نكاح المتعة

 

حسن عبد الله

 

المقدمة

 

 

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الخلق أجمعين محمد وآله الطيبين الطاهرين وعلى أصحابة الميامين ، ومن تبع نهج محمد وآله إلى قيام يوم الدين وبعد :

الكتاب الذي بين يديك أخي القارىء المحترم هو الحلقة الرابعة من سلسلة حلقات الرد على أباطيل الشيخ عثمان الخميس التي حشا بها كتابه حقبة من التاريخ وقد خصصت هذه الحلقة لرد عليه بخصوص زعمه حرمة نكاح المتعة ، حيث اثبت فيه وهن كل الأدلة التي أوردها للاستدلال بها على حرمة هذا النكاح كما وأثبت                                

( 5 )

 


 

بالأدلة بقاء الحلية وأن نكاح المتعة حلال إلى يوم القيامة ، لم يرد في حرمته دليل معتبر لا من كتاب الله عز وجل ولا من سنة نبيه المصطفى (ص) ، وأن الذي نهى عنه وتوعد فاعله بالعقاب هو الخليفة الثاني عمر بن الخطاب ، فالحمد لله على توفيقه ، وأسأله سبحانه أن يوفقني لاكمال هذه السلسلة.

( 6 )

 


 

دعوى عثمان الخميس حرمة نكاح المتعة

 

قال عثمان الخميس : ( إن النهي عنها (1) ثبت عن علي (ر) عن النبي (ص) كما في الصحيحين أنه قال : لابن عباس لما سمع أنه يبيح متعة النساء انك امرؤٌ تائه فأن رسول الله (ص) قد حرم المتعة ولحوم الحمر الأهلية يوم خيبرة.

والعجيب أن هذا الحديث موجود في كتب الشيعة المعتمدة ، وكذلك حديث سلمة ابن الأكوع في مسلم أن النبي (ص) حرم المتعة عام الفتح ، وكذلك سبرة الجهني عند مسلم أن النبي (ص) حرم المتعة ).

-------------------

(1) يريد متعة النساء.

( 7 )

 


 

وقال : ( قالوا : (1) إن عمر بن الخطاب نهى عن متعة الحج ومتعة النساء وهما مشروعتان ، فكيف يحرم عمر : ما أحله الله ، ).

وقال : ( فعمر : نعم نهى عن المتعة فكان ماذا ، نهى عن شيء نهى عنه رسول الله (ص) ، نهى عن شيء نهى عنه رب العزة تبارك وتعالى لما قال : { والَذِين همْ لِفُرُوجِهِمْ حَأفِظُون * الا على أزْواجِهِمْ أوْ ما ملَكَتْ إيمانهمْ فإنهمْ غَيْرُ ملُومِين * فمنِ ابتغى ورَاءَ ذَلِكَ فأولَئِكَ هم الْعادُون } فسماهم عادين تبارك وتعالى.

وهم يستدلون بقول الله تبارك وتعالى : { وألمحْصنات مِن النِسَاءِ الا ما ملَكَتْ إيمانُكمْ كِتابَ اللهِ علَيْكمْ وأحِلَ لَكمْ ما ورَاءَ ذَلِكمْ أن تبْتغُوا

-------------------

(1) أي الشيعة.

(8)

 

 

بِأمْوالِكمْ محْصِنِين غَيْرَ مسَأفِحِين فما استمتعتمْ بِهِ مِنهن فأتوهن أجورهن فريضَة ولا جُناحَ علَيْكمْ فِيما ترَاضَيْتمْ بِهِ مِن بَعْدِ الفريضةِ ( النساء - 24 ) }.

نقول : إن هذه القراءة قراءة غير متواترة ، ليست من القراءات السبع ولا من القراءات العشر ، فهي قراءة شاذة ، ثم إن صحت فهي منسوخة بقول الله تعالى : { والَذِين همْ لِفُرُوجِهِمْ حَأفِظُون ( المؤمنون - 5 ) } ومنسوخة بنهي النبي (ص) سواء كان بحديث علي أو سبرة الجهني أوسلمة ابن الأكوع أو غيرهم ) (1).

 

الأدلة من الكتاب والسنة على

مشروعية نكاح المتعة

 

قلت : إن نكاح المتعة مما أحله الله سبحانه وشرعه في

-------------------

(1) حقبة من التاريخ صفحة 173 - 176.

( 9 )

 


 

كتابه وعلى لسان نبيه المصطفى (ص) ، أما دليل تشريعة من القرآن العزيز فقوله تعالى : {... وأحِلَ لَكمْ ما ورَاءَ ذَلِكمْ أن تبْتغُوا بِأمْوالِكمْ محْصِنِين غَيْرَ مسَأفِحِين فما استمتعتمْ بِهِ مِنهن فأتوهن أجورهن فريضَة ولا جُناحَ علَيْكمْ فِيما ترَاضَيْتمْ بِهِ مِن بَعْدِ الفريضةِ إن الله كان علِيما حَكِيما } (1) ، فقد صرحت روايات أهل السنة وأقوال العديد من علمائهم أن الآية يراد بها نكاح المتعة  النكاح المنقطع.

قال ابن كثير عند تفسيره للآية المذكورة : ( وقد استدل بعموم هذه الآية على نكاح المتعة ).

وقال أيضا : ( وقال مجاهد : نزلت في نكاح المتعة ) (1).

-------------------

(1) النساء : 24.

(2) تفسير ابن كثير 1/475.

(10)

 

 

وأخرج عبد الرزاق بن همأم في مصنفه بسند صحيح ، عن ابن جريح ، قال : ( أخبرني : عطاء أنه سمع ابن عباس يراها المتعة الآن حلالا ، وأخبرني : أنه كان يقرأ : { فما استمتعتمْ بِهِ مِنهن - إلى أجل - فأتوهن أجورهن } وقال ابن عباس : في حرف أبيْ إلى أجل ) (1).

وأخرج عبد الرزاق بسند صحيح - والرواية طويلة نأخذ منها موضع الشاهد - : (..قال عطاء وسمعت ابن عباس ، يقول : يرحم الله عمر : ما كانت المتعة الا رخصة من الله عز وجل رحم بها أمة محمد (ص) فلولا نهيه عنها ما احتاج إلى الزنا الا شقي ، قال : كأني أسمع قوله الا شقي - عطاء القائل- قال :

-------------------

(1) مصنف عبد الرزاق 7/397 رواية رقم : 14099.

(11)

 

 

عطاء فهي التي في سورة النساء { فما استمتعتمْ بِهِ مِنهن فأتوهن أجورهن } ) (1).

وقال الطبري في تفسيره : ( ، حدثنا : محمد بن الحسين ، قال : حدثنا : أحمد بن الفضل ، قال : حدثنا : أسباط ، عن السدي { فما استمتعتمْ بِهِ مِنهن فأتوهن أجورهن فريضَة ولا جُناحَ علَيْكمْ فِيما ترَاضَيْتمْ بِهِ مِن بَعْدِ الفريضةِ } فهذه المتعة الرجل ينكح المرأة بشرط إلى أجل مسمى... ) (2).

وقال الطبري : ( ، حدثنا : ابن المثنى ، قال : حدثنا : أبو داود ، قال : حدثنا : شعبة ، عن أبي إسحاق ، عن عمير أن ابن عباس قرأ : { فما استمتعتمْ بِهِ مِنهن - إلى أجل مسمى - ... } (3).

-------------------

(1) مصنف عبد الرزاق 7/397 رواية رقم : 14098.

(2) تفسير الطبري 5/12.

(3) تفسير الطبري 5/13.

(12)

 

 

ورجال سند هذه الرواية كلهم من الثقات عند أهل السنة ، فـ ( ابن المثنى ) هو الحافظ أبو موسى محمد بن المثنى بن عبيد بن قيس العنزي المعروف بالزمن من الثقات الاثبات عندهم وممن اتفق رجال الصحاح الستة على اخراج حديثه (1) ، و ( أبو داود ) هو الحافظ سليمان بن داود بن الجارود الطيالسي صاحب المسند من رجال مسلم والترمذي والنسائي وهو أيضا من الثقات عندهم (2) ، و ( شعبة ) هو الامام الحافظ شعبة بن الحجاج بن الورد لقبوه بأمير المؤمنين في الحديث ، وممن اتفق الستة على اخراج حديثه (3) ، و (أبو إسحاق)

-------------------

(1) انظر ترجمته في تهذيب الكمال في أسماء الرجال للمزي 6/493 رقم الترجمة : 6170.

(2) المصدر السابق 3/272 رقم الترجمة : 2491.

(3) المصدر السابق 3/387 رقم الترجمة : 2725.

(13)

 

 

هو الحافظ الثقة الحجة عندهم عمرو بن عبد الله بن ذي يحمد الهمداني الكوفي ، وهو أيضا ممن اتفق الستة على اخراج حديثه (1) ، و ( عمير ) فهو عمير بن تميم إبن يريم أبو هلال ، ذكره ابن حبان في الثقات (2).

وقال الحاكم النيسابوري في المستدرك على الصحيحين : ( أخبرنا : أبو زكريا العنبري ، حدثنا : محمد ابن عبد السلام ، حدثنا : إسحاق بن ابراهيم ، أنبأنا : النضر إبن شميل ، أنبأنا : شعبة ، حدثنا : أبو سلمة ، قال : سمعت أبا نضرة ، يقول : قرأت على ابن عباس (ر) {فما استمتعتمْ بِهِ مِنهن فأتوهن أجورهن } ، قال ابن عباس : { فما استمتعتمْ بِهِ مِنهن - إلى أجل مسمى - ... }.

-------------------

(1) المصدر السابق 5/431 رقم الترجمة : 4989.

(2) الثقات لابن حبان 5/254 رقم الترجمة : 4713.

(14)

 

 

قال أبو نضرة : فقلت : ما نقرأها كذلك ، فقال ابن عباس : والله لأنزلها الله كذلك ).

قال الحاكم النيسابوري : ( هذا حديث صحيح على شرط مسلم ، ولم يخرجاه ) (1).

وقال الذهبي في تلخيص المستدرك : ( على شرط مسلم ).

وهذه الرواية أخرجها الطبري ، فقال : (، حدثنا : ابن المثنى ، قال : حدثنا : محمد بن جعفر ، قال : حدثنا : شعبة ، عن أبي سلمة ، عن أبي نضرة ، قال : قرأت هذه الآية على ابن عباس { فما استمتعتمْ بِهِ مِنهن } ، قال ابن عباس: إلى أجل مسمى ، قال : قلت ما أقرؤها كذلك ، قال : والله لأنزلها الله كذلك ثلاث مرات ) (2).

-------------------

(1) المستدرك على الصحيحن 2/334 رواية رقم : 3192.

(2) تفسير الطبري 5/13.

(15)

 

 

وفي تفسير الطبري أيضا ، قال : ( حدثنا : ابن بشار ، قال : حدثنا : عبد الأعلي ، قال : حدثنا : سعيد ، عن قتادة ، قال : في قراءة أبي بن كعب { فما استمتعتمْ بِهِ مِنهن - إلى أجل مسمى...  } ) (1).

ورجال سند هذه الرواية كلهم من الثقات ، فـ ( ابن بشار ) هو الحافظ أبو بكر محمد بن بشار بن عثمان العبدي المعروف ببندار ، وثقه العديد من علماء القوم واتفق الستة على اخراج حديثه (2) ، و ( عبد الأعلى ) هو عبد الأعلي بن عبد الأعلي بن محمد وقيل إبن شراحيل القرشي البصري ، وثقه العجلي وابن خلفون وأبو زرعة وابن حجر العسقلاني وذكره ابن حبان في الثقات ، وقال أبو حاتم : صالح الحديث ، وقال النسائي : ليس به بأس

-------------------

(1) تفسير الطبري 5/13.

(2) انظر تهذيب الكمال في أسماء الرجال 6/247 رقم الترجمة : 5675.

(16)

 

 

واتفق الستة على اخراج حديثه (1) ، و ( سعيد ) هو الامام الحافظ سعيد بن أبي عروبة ، عالم أهل البصرة من الثقات عند أهل السنة ، وممن اتفق الستة على اخراج حديثه (2) ، و ( قتادة) هو قتادة بن دعامة بن قتادة بن عزيز أبو الخطاب السدوسي البصري ، ثقة ثبت عندهم اتفق الستة على الاخراج له (3).

وروى الطبري ، فقال : ( حدثنا : أبو كريب ، قال : حدثنا : يحيى بن عيسى ، قال : حدثنا : نصير ابن أبي الأشعث ، قال : حدثني : حبيب بن أبي ثابت ، عن أبيه ، قال : أعطاني ابن عباس مصحفا ، فقال : هذا على قراءة أبَيْ ، قال أبو كريب : قال يحيى : فرأيت المصحف عند

-------------------

(1) انظر ترجمته في تهذيب التهذيب 6/87.

(2) انظر ترجمته في تهذيب الكمال في أسماء الرجال 4/336 رقم الترجمة : 3675.

(3) المصدر السابق 8/315 رقم الترجمة : 637.

(17)

 

 

نصير فيه { فما استمتعتمْ بِهِ مِنهن - إلى أجل مسمى-...  } ) (1).

وقال صاحب كتاب ناسخ الحديث ومنسوخه : (، حدثنا : عبد العزيز بن محمد ، قال : حدثنا : إسحاق بن ابراهيم بن عباد ، قال : حدثنا : عبد الرزاق ، عن ابن جريح ، قال : أخبرنا : عطاء أنه سمع ابن عباس يقرأ { فما استمتعتمْ بِهِ مِنهن - إلى أجل - فأتوهن أجورهن } وقال : قال ابن عباس في حرف أبَيْ إلى أجل مسمى ) (2).

وفي تفسير ابن كثير : ( وكان ابن عباس وأبي بن كعب وسعيد ابن جبير والسدي يقرؤون { فما

-------------------

(1) تفسير الطبري 5/12.

(2) ناسخ الحديث ومنسوخه 1/366.

(18)

 

 

استمتعتمْ بِهِ مِنهن - إلى أجل مسمى- فأتوهن أجورهن فَريضَة } ) (1).

وقراءة هؤلاء الأعلام للآية بهذه الكيفية ليس لأن عبارة إلى أجل أو إلى أجل مسمى من أبعاض الآية وإنما تفسير لها تأكيدا على أن الآية خاصة بنكاح المتعة وربما تأكيدهم المستمر على القراءة بهذه الكيفية وتسجيل البعض منهم لهذا التفسير في مصحفه إنما هو لإيمانهم بحلية هذا النوع من النكاح ، وأنه لم يرد دليل يحرمه تحديا للتيار المقابل الذي يدعي الحرمة.

كما صرحت أيضا الروايات المروية عن بعض أئمة أهل البيت (ع) بأن الآية المذكورة خاصة بنكاح المتعة ففي كتاب الكافي للعلامة الكليني رحمه الله ، قال : ( ، عن علي ابن ابراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن الحسن

-------------------

(1) تفسير ابن كثير 1/475.

(19)

 

 

ابن علي بن رباط ، عن حريز ، عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله ، قال : سمعت أبا حنيفة يسأل أبا عبد الله - جعفر ابن محمد الصادق-   (ع) ، عن المتعة ، فقال : أي المتعتين تسأل ، قال : سألتك عن متعة الحج فأنبئني ، عن متعة النساء أحق هي ، فقال : سبحان الله ، أما قرأت كتاب الله عز وجل : { فما استمتعتمْ بِهِ مِنهن فأتوهن أجورهن } ، فقال أبو حنيفة : والله فكأنها آية لم اقرأها قط ) (1).

وروى أيضا ، فقال : ( عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد وعلي بن ابراهيم ، عن أبيه جميعا ، عن ابن أبي نجران ، عن عاصم بن حميد ، عن أبي بصير ، قال : سألت أبا جعفر (ع) ، عن المتعة ، فقال : نزلت في القرآن { فما استمتعتمْ بِهِ مِنهن فأتوهن أجورهن فريضَة ولا

-------------------

(1) الكافي 5/450.

(20)

 

 

جُناحَ علَيْكمْ فِيما ترَاضَيْتمْ بِهِ مِن بَعْدِ الفريضةِ }) (1).

وروى الحميري ، عن أحمد بن اسحاق ، عن بكر بن محمد ، قال : ( سألت أبا عبد الله (ع) ، عن المتعة ، فقال : { فما استمتعتمْ بِهِ مِنهن فأتوهن أجورهن فريضَة ولاجُنـاحَ علَيْكمْ فِيما ترَاضَيْتمْ بِـهِ مِـن بَعْدِ الفريضةِ } ) (2).

أما الأدلة على حلية نكاح المتعة من السنة فكثيرة منها : ما أخرجه عبد الرزاق الصنعاني في مصنفه ، قال : (قال ابن جريح وأخبرني : عمرو بن دينار ، عن حسن بن محمد بن علي ، عن جابر ابن عبد الله وسلمة ابن الأكوع - رجل من أسلم من أصحاب النبي  (ص) - أنهما قالا :

-------------------

(1) الكافي 5/448 ، ورواه أحمد بن محمد بن عيسى في نوادره صفحة 65.

(2) قرب الاسناد صفحة 21.

(21)

 

 

كنا في غزوة فجاء رسول رسول الله (ص) ، فقال : ان رسول الله (ص) ، يقول : استمتعوا ) (1).

ورواه مسلم في صحيحه بسنده ، عن جابر ابن عبد الله وسلمة ابن الأكوع أنهما قالا : ( خرج علينا منادي رسول الله (ص) ، فقال : ان رسول الله (ص) قد أذن لكم أن تستمتعوا ، يعني متعة النساء ) (2).

وروى مسلم في صحيحه بسنده ، عن عبد الله بن مسعود ، قال : ( كنا نغزو مع رسول الله (ص) وليس لنا نساء ، فقلنا : ألا نستخصي ، فنهانا عن ذلك ، ثم رخص لنا أن

-------------------

(1) مصنف عبد الرزاق 7/397 رواية رقم : 14100 ، وأخرجه أيضا أحمد بن حنبل في مسنده 4/47 رواية رقم : 16551 وقال الشيخ شعيب الأرنؤوط : ( اسناده صحيح على شرط الشيخين ) ، والطبراني في المعجم الكبير 7/12.

(2) صحيح مسلم 2/1022.

(22)

 

 

ننكح المرأة بالثوب إلى أجل ، ثم قرأ عبد الله : { يا أيها الَذِين آمنوا لا تحَرموا طَيِبَاتِ ما أحَلَ الله لَكمْ ولا تعْتدُوا إن الله لا يحِبُ ألمعْتدِين } ) (1).

وفي هذه الرواية دلالة على أن ابن مسعود كان يرى حلية نكاح المتعة وأنه لم ينسخ لا بالقرآن ولا بالسنة ، وأن المتعة من الطيبات التي أحلها الله عز وجل ، وما قراءته للآية الكريمة - بعد أن روى الاباحة والرخصة

-------------------

(1) صحيح مسلم 2/1022 ، ورواه البخاري في صحيحه 5/1953 رواية رقم : 4787 ، وابن حبان في صحيحه 9/448 رواية رقم : 4141 و 9/449 رواية رقم : 4142 ، والنسائي في السنن الكبرى 6/336 رواية رقم : 11150 ، والبيهقي في سننه الكبرى 7/79 رواية رقم : 13242 ، وأحمد بن حنبل في مسنده 1/420 رواية رقم : 3986 و 1/432 رواية رقم : 4113 و 1/450 رواية رقم : 4302 ، وأبي يعلى في مسنده 9/260 رواية رقم : 5382 ، وابن أبي شيبة في مصنفه 3/552 رواية رقم : 17079.

(23)

 

 

من رسول الله (ص) في التمتع - الا اعتراض منه على تحريم من حرمها.

والروايات في مصادر أهل السنة التي تفيد أن رسول الله (ص) قد أباح وأذن لأصحابه بالتمتع عديدة وستأتي الاشارة إلى بعضها لاحقا ، فلا حاجة هنا إلى الاكثار من الروايات التي تثبت أن نكاح المتعة كان مشرعا ، وأن النبي (ص) أجاز لأصحابة التمتع وأمرهم به ، فإن ذلك من المسلمات عند الفريقين الشيعة والسنة.

مناقشة ما استدل به عثمان الخميس

على حرمة نكاح المتعة

يتضح لمن تتبع الروايات التي يستند اليها القوم في تحريم نكاح المتعة أنها روايات موضوعة تصحيحا لموقف الخليفة عمر بن الخطاب من هذا التشريع الإلهي فهي روايات متناقضة متضاربة ، فرواية تقول : أن رسول

 

( 24 )

 


 

الله (ص) حرمها يوم خيبر وأخرى تقول بأنها حرمها عام فتح مكة ، وثالثة في حجة الوداع ، ورابعة في غزوة تبوك ، وخامسة في حنين ، وسادسة في غزوة أوطاس ، وسابعة في عمرة القضاء ، وقد حار علماء أهل السنة في توجيهها حتى زعم بعضهم أنها - المتعة - حللت وحرمة مرات عديدة ،

قال ابن كثير : ( واختلفوا أي وقت أول ما حرمت ، فقيل في خيبر ، وقيل في عمرة القضاء ، وقيل عام فتح مكة ، وهذا أظهر ، وقيل في أوطاس وهو قريب من الذي قبله ، وقيل في تبوك ، وقيل في حجة الوداع )(1).

وقال ابن رشد - وهو يشير إلى روايات تحريم المتعة- : ( ففي بعض الروايات أنه حرمه يوم خيبر ، وفي بعضها يوم الفتح ، وفي بعضها في غزوة تبوك

-------------------

(1) السيرة النبوية 3/366.

(25)

 

 

وفي بعضها في حجة الوداع ، وفي بعضها في عمرة القضاء ، وفي بعضها عام أوطاس ) (1).

وعثمان الخميس كغيره من علماء السنيين تناقض فزعم أن النهي عن المتعة ثابت ، عن الامام علي (ع) ، عن رسول الله (ص) ، وأن الامام علي ، قال : لابن عباس عندما سمعه يبيح نكاح المتعة : ( إنك امرؤٌ تائه فأن رسول الله (ص)  قد حرم المتعة ولحوم الحمر الأهلية يوم خيبر ) ، وهذا يفيد أن النبي (ص) نهى عن المتعة يوم خيبر وذلك في السنة السابعة من الهجرة المباركة ، لكنه بعد ذلك يقول : أن النبي (ص) نهى عن المتعة في عام فتح مكة حسب رواية سلمة الأكوع وسبرة الجهني ، وفتح مكة كان في السنة الثامنة للهجرة ، وقد مر عليك فيما نقلناه من قول لابن كثير وابن رشد أن هناك روايات ذكرت

-------------------

(1) بداية المجتهد 4/334.

(26)

 

 

مناسبات أخرى حرم النبي (ص) فيها نكاح المتعة ، ونحن نسأل ونقول متى ياترى حرم رسول الله (ص) هذا النكاح هل في يوم خيبر أم في يوم الفتح أم في غزوة تبوك ، أم في عام أوطاس أم في عمرة القضاء ، أم في حجة الوداع،

إن هذا الاختلاف الكبير والاضطراب الشديد بين الروايات التي يستند اليها القوم في حرمة نكاح المتعة ( يجر الباحث إلى التشكيك في أصل التحريم ، والا فكيف خفي زمان التحريم ومكانه على المسلمين حتى صاروا طوائف ستا ، لا سيما في مسألة كمسألة المتعة التي يبتلى بها الناس في حلهم وترحالهم ، فلا يمكن نسخ القرآن الكريم بهذه الأخبار المشوشة المضطربة ) (1).

-------------------

(1) متعة النساء في الكتاب والسنة للشيخ السبحاني صفحة 103.

(27)

 

 

إذا فالروايات التي يزعمون أنها تفيد تحريم نكاح المتعة ونسخه روايات مضطربة ومتناقضة وآحاد ظنية الدلالة ، لا تصلح أن تكون دليلا على حرمة ما هو ثابت بالدليل القطعي اليقيني ، اضافة إلى ذلك فإن هناك روايات تناقضها وتفيد خلاف ما تفيده هذه الروايات.

ثم إن عثمان الخميس افترى على الله سبحانه وتعالى فزعم أنه تعالى حرم نكاح المتعة بقوله : { والَذِين همْ لِفُرُوجِهِمْ حَأفِظُون * الا على أزْواجِهِمْ أوْ ما ملَكَتْ إيمانهمْ فإنهمْ غَيْرُ ملُومِين * فمنِ ابتغى ورَاءَ ذَلِكَ فأولَئِكَ هم الْعادُون } (1) ، فنقول في الرد عليه :

1- إن قوله تعالى : { والَذِين همْ لِفُرُوجِهِمْ حَأفِظُون } إلى آخر الآيات من سورة المؤمنون وهي

-------------------

(1) المؤمنون : 5 - 7.

(28)

 

 

مكية نزلت قبل الهجرة ، فلا يمكن أن تكون ناسخة لنكاح المتعة المشرع في المدينة بعد الهجرة.

2- إن المتمتع بها زوجة شرعية ، فالزوجة من نكاح المتعة داخلة تحت قوله تعالى:{ الا على أزْواجِهِمْ }.

3- إن الصحابة كانوا يمارسون هذا النوع من النكاح إلى آخر يوم من حياة رسول الله (ص) وطوال امرة أبي بكر ابن أبي قحافة ، وبرهة من الزمن من امرة عمر بن الخطاب حتى نهى عنها عمر بسبب قضية خاصة كما سيأتي ، وهذا ثابت في الروايات الصحيحة عند أهل السنة ، ففي رواية أخرجها مسلم بن الحجاج في صحيحه 2/1023 بسنده ، عن أبي الزبير ، قال : ( سمعت جابر ابن عبد الله الأنصاري ، يقول : كنا نستمتع بالقبضة من التمر والدقيق الأيام على عهد رسول الله (ص) وأبي بكر حتى نهى عنه عمر في شأن عمرو بن حريث ) ، وفي هذا دليل على أن الصحابة ليس عندهم دليل على

(29)

 

 

التحريم لا من كتاب الله ولا من سنة رسوله (ص)ه.

فهل عثمان الخميس وغيره من علماء السنيين ممن يزعم حرمة نكاح المتعة بالقرآن الكريم أعلم من الصحابة بالقرآن الكريم وحلاله وحرامه ،

فهل هم أعلم بالقرآن من أمير المؤمنين علي بن أبي طالب  (ع) أو من عبد الله بن مسعود ، أو من ابن عباس أو من غيرهم من الصحابة ممن استمروا على القول بحليتها حتى بعد نهي عمر عنها ،

يقول ابن حزم :

( وقد ثبت على تحليلها - المتعة - بعد رسول الله (ص) جماعة من السلف (ر) منهم من الصحابة (ر) أسماء بنت أبي بكر الصديق ، وجابر ابن عبد الله ، وابن مسعود ، وابن عباس ، ومعاوية بن أبي سفيان ، وعمرو ابن حريث ، وأبو سعيد الخدري ، وسلمة ومعبد أبناء أمية بن خلف ، ورواه جابر ابن عبد الله ، عن جميع

(30)

 

 

الصحابة مدة رسول الله ، ومدة أبي بكر وعمر إلى آخر خلافة عمر.

واختلف في اباحتها ، عن ابن الزبير ، وعن علي فيه توقف (1) ، وعن عمر بن الخطاب أنه إنما أنكرها إذا لم يشهد عليها عدلان فقط ، واباحتها بشهادة عدلين ، ومن التابعين طاووس وعطاء وسعيد ابن جبير وسائر فقهاء مكة أعزها الله ) (2).

أما ما ذكره الشيخ عثمان الخميس من أن رواية تحريم المتعة يوم خيبر المنقولة عن علي ، عن رسول الله (ص) مذكورة في كتب الشيعة ، فنقول في جوابه :

1- إن روايات أهل السنة وكذلك أقوال علمائهم

-------------------

(1) الصحيح أن الامام علي (ع) يرى حلية نكاح المتعة ، وقد ثبت عنه قوله : لولا نهي عمر عن المتعة ما زنى الا شقي.

(2) المحلى لابن حزم 11/69.

(31)

 

 

صرحت بأن النبي (ص) قد أباح لأصحابة التمتع بالنساء بعد خيبر ، وهذا دليل على أنه لم يصدر منه (ص) في يوم خيبر في حرمتها شيء ، والا فلماذا أباحها بعد ذلك ، الا اللهم أن يقال : - وقد قال ذلك بعضهم - بأنها حرمت ، ثم أبيحت ، ثم حرمت ، ثم أبيحت ، وهو محاولة من قائله لرفع التناقض الموجود بين الروايات ، وهو قول ضعيف لا يسنده دليل.

2- إن رواية علي (ع) التي أشار اليها الخميس أنها مذكورة في كتب الشيعة رواها الشيخ الطوسي في كتابيه التهذيب والاستبصار (1) ، وهي ضعيفة السند لوقوع الحسين بن علوان وعمرو بن خالد الواسطي في سندها ، أما الأول فهو سني المذهب ، وقد اختلف في توثيقه وذلك لأن عبارة الشيخ النجاشي في ترجمته في رجاله

-------------------

(1) تهذيب الأحكام 7/251 ، الاستبصار 3/142.

(32)

 

 

يحتمل فيها عود التوثيقاليه ويحتمل فيها أيضا عوده إلى أخيه الحسن ، ولا توثيق له آخر ، ولذلك وثقه بعض الفقهاء وضعفه آخرون ، وعلى كل حال فالرجل مختلف في وثاقته ، أما الثاني فانه لم يصدر في حقه توثيق في كتب الرجال ، واختلف في مذهبه هل هو سني أم زيدي ، فكيف يحتج على الشيعة برواية هكذا حالها.

اضافة إلى ذلك فإن هذه الرواية معارضة عند الشيعة بروايات بلغت حد التواتر تفيد حلية نكاح المتعة وجوازه فكيف ترفع اليد ، عن تلكم الروايات وتعتمد هذه الرواية الضعيفة ،

3- لقد صرح بعض الأعلام من أهل السنة أنه لم يقع في خيبر تمتع ولم يصدر من رسول الله (ص) تحريم للمتعة في ذلك اليوم من ذلك :

قال البيهقي : ( فيما قرأته في كتاب المعرفة ، وكان

(33)

 

 

ابن عيينة يزعم أن تاريخ خيبر في حديث علي : إنما هو في النهي عن لحوم الحمر الأهلية لا في نكاح المتعة ، قال البيهقي : وهو يشبه أن يكون كما قال : فقد روي أنه رخص فيه بعد ذلك... ) (1).

وقال : السيهلي : ( النهي عن نكاح المتعة يوم خيبر لا يعرفة أحد من أهل السير ولا من رواة الأثر... ) (2).

وقال : ابن عبد البر : ( إن ذكر النهي يـوم خيبـر غلط) (3).

وقال : القسطلاني : ( وقد قيل ان في الحديث تقديما وتأخيرا وأن الصواب نهى في غزوة خيبر ، عن لحوم

-------------------

(1) ارشاد الشاري بشرح صحيح البخار للقسطلأني 11/397.

(2) المصدر السابق نفس المجلد والصفحة ، شرح الزرقاني 3/198 ، فتح الباري 9/168.

(3) ارشاد الساري 9/232 ، شرح الزرقاني 3/198.

(34)

 

 

الحمر الأنسية ، وعن متعة النساء وليس يوم خيبر ظرفا لمتـعة النسـاء لأنه لم يقـع فـي غـزوة خيبـر تمتـع بالنساء ) (1).

وقال ابن القيم : ( وقصة خيبر لم يكن فيها الصحابة يتمتعون باليهوديات ولا استأذنوا في ذلك رسول الله (ص) ولا نقله أحد قط في هذه الغزوة ولا كان للمتعة فيها ذكر البتة لا فعلا ولا تحريما... ) (2).

وفي هذه الأقوال تصريح بأن النبي (ص)لم ينه ، عن المتعة يوم خيبر بل لم يحصل تمتع أصلا في هذه الغزوة يؤيد ذلك الروايات المروية من غير طريق علي (ع) فانها لم تذكر المتعة وإنما ذكرت فقط الحمر الأهلية ، إذا القول بأن النهي عن المتعة كان يوم خيبر باطل وغير

-------------------

(1) ارشاد الساري 9/232.

(2) زاد المعاد 2/158.

(35)

 

 

صحيح ، وأن الرواية المنسوبة لعلي (ع) التي تدعي أن رسول الله (ص)حرم المتعة يوم خيبر مكذوبة عليه (ع).

4- إذا كان علي (ع) - كما تدعي الرواية التي ذكرها عثمان الخميس - قد أخبر ابن عباس ، عن نهي رسول الله (ص) عن المتعة وتحريمه لها ، فلماذا بقي ابن عباس حتى آخر حياته ، يقول بالمتعة ويجيزها ،

ولنا على ذلك أدلة اضافة إلى ما مر من كلام لابن حزم منها :

1- ما ورد في الرواية التي أخرجها مسلم بن الحجاج في صحيحه : ( أن عبد الله ابن الزبير قام بمكة ، فقال : إن أناسا أعمى الله قلوبهم كما أعمى أبصارهم يفتون بالمتعة يعرض برجل (1) ، فناداه ، فقال : إنك لجلف جاف ،

-------------------

(1) هو ابن عباس كما ذكر النووي في شرحه على صحيح مسلم 9/188.

(36)

 

 

فلعمري لقـد كانت المتعـة تفعل على عهد امام المتقين - يريد رسول الله (ص) - فقال له ابن الزبير : فجرب نفسك فوالله لئن فعلتها لأرجمنك بأحجارك ) (1).

وظاهر هذه الرواية صريح في أن ابن الزبير عرض بابن عباس أيام امرته ، يشهد له قوله : ( فجرب نفسك فوالله لئن فعلتها لأرجمنك بأحجارك ) فهو من منطلق سلطته يهدد ابن عباس برجمه إن هومارس المتعة ، كما يشهد له أن هذا القول صدر من ابن الزبير وكان ابن عباس حينها أعمى البصر ، وقد ثبت أنه عمي في آخر أيام حياته.

2- قال ابن قدامه : ( وحكي ، عن ابن عباس : أنها جائزة وعليه أكثر أصحابه عطاء وطاووس وبه ، قال :

-------------------

(1) صحيح مسلم 2/1026 رواية رقم : 1406 ، سنن البيهقي 7/205 رواية رقم : 13942.

(37)

 

 

جريح وحكي ذلك عن أبي سعيد الخدري وجابـر وإليه ذهب الشيعة لأنه ثبت أن النبي  (ص) أذن فيها ) (1).

3- قال : الشوكاني في نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار : ( وقال ابن بطال روى أهل مكة واليمن ، عن ابن عباس اباحة المتعة ، وروي عنه الرجوع بأسانيد ضعيفة واجازة المتعة عنه أصح وهو مذهب الشيعة ) (2).

4- أثر ، عن ابن عباس قوله : ( ما كانت المتعة الا رحمة رحم الله بها عباده ولولا تحريم عمر لما احتيج إلى الزنا ) (3).

ومما يكذب الخبر المنسوب لعلي (ع) في حرمة نكاح المتعة يوم خيبر قول الامام (ع) : ( لولا أن عمر

-------------------

(1) المغني 7/571.

(2) نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار 6/270.

(3) ستأتي الاشارة إلى مصادره صفحة 44.

(38)

 

 

نهى عن المتعة ما زنى الا شقي ) (1) ، وقوله : ( لولا ما سبق من رأي عمر بن الخطاب أو قال : من رأي ابن الخطاب لأمرت بالمتعة ، ثم مازنى الا شقي ) (2) ، وذلك مروي عنه بطريق معتبر صحيح ، ففي قوله هذا ينسب (ع) تحريم المتعة إلى عمر بن الخطاب وليس إلى رسول الله (ص) ، ولو كان علي (ع) سمع من رسول الله (ص)تحريم المتعة في يوم خيبر لكان أبعد ، عن محاولة الأمر بها بعد تحريمها.

الأدلة على تحريم عمر لمتعة النساء

ولقد زعم عثمان الخميس أن القائل بتحريم عمر بن الخطاب لنكاح المتعة هم الشيعة وحدهم ، وهذا غير صحيح ، فأقوال البعض من علماء أهل السنة صريحة في

-------------------

(1) رواه الطبري في تفسيره بسند صحيح.

(2) مصنف عبد الرزاق 7/399 رواية رقم : 14106.

 

( 39 )

 


 

ذلك وكذلك رواياتهم بل إن الخليفة الثاني عمر بن الخطاب نسب تحريمها والنهي عنها إلى نفسه ، فقد ثبت عنه أنه قال : ( متعتان كانتا على عهد رسول الله (ص) أنا أنهى عنهما ، متعة النساء ومتعة الحج ) (1).

وفي شرح التجريد للعلامة القوشجي متكلم الأشاعرة أن عمر بن الخطاب ، قال : ( أيها الناس ثلاث كن على عهد رسول الله (ص) وأنا أنهى عنهن وأحرمهن وأعاقب

-------------------

(1) التمهيد لابن عبد البر 10/113 و 23/365 ، تذكرة الحفاظ 1/366 ، العلل الواردة في الأحاديث النبوية 2/155 ، المحلى لابن حزم 7/107 ، المغني لابن قدامه 7/136 ، سنن البيهقي الكبرى 7/206 ، السنن لسعيد بن منصور الخراساني 1/252 ، شرح معاني الآثار للطحاوي 2/146 ، جزء أحاديث أيوب السختياني صفحة 82 برقم : 49 وقال : محققه : ( اسناده ثقات ) تفسير الفخر الرازي 2/167 ، بداية المجتهد 1/346 ، أحكام القرآن للجصاص 1/279 ، زاد المعاد 2/205 ، الدر المنثور 2/141 ،كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال 8/293 ، البيان والتبيين للجاحظ 2/123.

(40)

 

 

عليهن ، متعة النساء ، ومتعة الحج ، وحي على خير العمل ) (1).

وقال : الراغب الأصفهاني : ( قال يحيى بن أكثم لشيخ البصرة بمن اقتديت في جواز المتعة ، قال : بعمر بن الخطاب (ر) ، قال : كيف وعمر من أشد الناس فيها ، فقال : لأن الخبر الصحيح أنه صعد المنبر ، فقال : إن الله ورسوله : قد أحلا لكم متعتين وإني محرمهما وأعاقب عليهما ، متعة النساء ومتعة الحج ) (2).

وفي كتاب المسند المستخرج على صحيح مسلم ، قال : ( حدثنا : عبد الله بن محمد ، أنبأنا : أحمد بن علي ، حدثنا : أبو الربيع ، حدثنا : حماد بن زيد ، عن عاصم الأحول ، عن أبي نضرة ، عن خالد ، قال : ( متعتان

-------------------

(1) شرح التجريد صفحة 484.

(2) المحاضرات 2/94.

(41)

 

 

فعلناهما على عهد رسول الله (ص) نهانا عمر عنهما فلم نعد لهما ) ثم قال : ( رواه مسلم ، عن حامد بن عمر البكراوي ، عن عبد الواحد ، عن عاصم ) (1).

وفي شرح معاني الآثار للطحاوي ، قال : ( حدثنا : ابن أبي داود ، قال : حدثنا : سليمان بن حرب ، قال : حدثنا : حماد ، عن عاصم ، عن أبي نضرة ، عن جابر (ر) ، قال : متعتان فعلناهما على عهد رسول الله (ص) نهى عنهما عمر (ر) فلن نعود اليهما ) (2).

وفي مسند أحمد بن حنبل ، قال : ( حدثنا : عبد الصمد ، حدثنا : حماد ، عن عاصم ، عن أبي نضرة ، عن جابر ، قال : متعتان كانتا على عهد النبي (ص) فنهانا عنهما عمر (ر) فانتهينا ) (3).

-------------------

(1) المسند المستخرج على صحيح مسلم 3/346 رواية رقم : 2890.

(2) شرح معاني الآثار 2/144.             

(3) مسند أحمد 3/325.

(42)

 

 

وقال : السرخسي : ( وقد صح أن عمر (ر) نهى الناس عن المتعة ، فقال : متعتان كانتا على عهد رسول الله وأنا أنهى الناس عنهما متعة النساء ومتعة الحج ) (1).

وقال السيوطي في فصل أوليات عمر : ( قال : العسكري : وهو أول من سمي أمير المؤمنين ، وأول من كتب التاريخ من الهجرة ، وأول من اتخذ بيت المال ، وأول من سن قيام شهر رمضان ، وأول من عس الليل ، وأول من عاقب على الهجاء ، وأول من ضرب في الخمر ، ثمانين ، وأول من حرم المتعة... ) (2).

وقال : القلقشندي عند ذكره أوليات عمر : ( وهو أول من حرم المتعة بالنساء ) (3).

-------------------

(1) المبسوط للسرخسي 4/27.

(2) تاريخ الخلفاء صفحة 136.

(3) ماثر الأناقة 3/338.

(43)

 

 

وعن ابن عباس ، قال : ( ما كانت المتعة الا رحمة رحـم الله بـها عبـاده ، ولولا نهـي عمر لما احتيج إلى الزنا ) (1).

وروى الطبري بسند صحيح ، قال : ( حدثنا : محمد بن المثنى ، قال : حدثنا : محمد بن جعفر ، قال : حدثنا : شعبة ، عن الحكم ، قال : سألته عن هذه الآية { وألمحْصنات مِن النِسَاءِ الا ما ملَكَتْ إيمانُكمْ } إلى موضع { فما استمتعتمْ بِهِ مِنهن } أمنسوخة هي ، قال : لا ، قال : الحكم : قال علي (ر) : لولا أن عمر (ر) نهى عن المتعة ما زنى الا شقي ) (2).

-------------------

(1) الاستذكار 5/506 ، التمهيد 10/114 ، التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير 3/158 ، بداية المجتهد 2/44 ، نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار 6/271 ، تفسير الطبري 5/130 شرح معاني الآثار 3/26 ، مصنف عبد الرزاق 7/497.

(2) تفسير الطبري 5/13.

(44)

 

 

وفي تاريخ الطبري ، عن عمران بن سوادة أنه جاء إلى عمر ناصحا ثم ذكر له الأمور التي عابت الأمة عليه فكان مما قال له : (... وذكروا أنك حرمت متعة النساء وقد كانت رخصة من الله نستمتع بقبضة ونفارق ، عن ثلاث ، قال : - عمر - : أن رسول الله (ص) أحلها زمان ضرورة ، ثم رجع الناس إلى سعة... ) (1).

وأخرج مسلم بن الحجاج القشيري في صحيحه بسنده ، عن أبي نضرة ، قال : كنت عند جابر ابن عبد الله فأتاه آت ، فقال : إن ابن عباس وابن الزبير اختلفا في المتعتين ، فقال جابر : فعلناهما مع رسول الله (ص) ، ثم نهانا عنهما عمر فلم نعد لهما ) (2).

وأخرج سعيد بن منصور في سننه ، قال : ( حدثنا : سعيد

-------------------

(1) تاريخ الطبري 2/579.

(2) صحيح مسلم 4/59 ، 131.

(45)

 

 

، حدثنا : هشيم ، قال : حدثنا : عبد الملك ، عن عطاء ، عن جابر ابن عبد الله ، قال : كانوا يتمتعون من النساء حتى نهى عمر ) (1).

ففي كل ما أوردناه دلالة واضحة وصريحة على أن عمر بن الخطاب هو الذي نهى عن المتعة ونسب تحريمها إلى نفسه وليس إلى الله ولا رسوله ، ولو كان الله ورسوله نهيا عنها - كما يزعمون - لما تردد عمر ، عن نسبته اليهما لأنه أبلغ حجة في تحقيق مراده وردع الناس عنها.

والذي يتضح من الروايات أن نهي ابن الخطاب ، عن نكاح المتعة كان في آخر أيامه ، وكان بسبب قضية خاصة تتعلق باستمتاع عمرو بن حريث بامرأة دون أن يعلن ذلك أو دون الأشهاد على نكاحه لها.

-------------------

(1) سنن سعيد بن منصور 1/252 رواية رقم : 850.

(46)

 

 

ففي مصنف عبد الرزاق بسند صحيح ، عن ابن جريح ، عن عطاء ، قال : ( لأول من سمعت منه المتعة صفوان بن يعلي ، قال : أخبرني ، عن يعلى إن معاوية استمتع بامرأة بالطائف فأنكرت ذلك عليه ، فدخلنا على ابن عباس فذكر له بعضنا ، فقال له : نعم فلم يقر في نفسي حتى قدم جابر ابن عبد الله فجئناه في منزله فسأله القوم عن أشياء ثم ذكروا له المتعة ، فقال : نعم استمتعنا على عهد رسول الله (ص)  وأبي بكر وعمر حتى إذا كان في آخر خلافة عمر استمتع عمرو بن حريث بامرأة - سماها جابر فنسيتها - فحملت المرأة ، فبلغ ذلك عمر فدعاها فسألها ، فقالت : نعم ، قال : من اشهد ، قال عطاء : لا أدري ، قالت : أمي أأوليها ، قال : فهلا غيرهما قال : خشي أن يكون دغلا الآخر... ) (1).

-------------------

(1) مصنف عبد الرزاق 7/396 رواية رقم : 14097.

(47)

 

 

وفي رواية أخرى أخرجها عبد الرزاق ، عن ابن جريح بسند رجاله ثقات ، قال : ( وأخبرني : عبد الله بن عثمان بن خثيم أن محمد بن الأسود بن خلف أخبره : أن عمرو بن حريث استمتع بجارية بكر من بني عامر بن لؤي فحملت فذكر ذلك لعمر فسألها ، فقالت : استمتع منها عمرو بن حريث فسأله فاعترف ، فقال عمر من اشهدت ، قال : لا أدري أقال : أّمها أو أختها أو أخاها وأمها ، فقام عمر على المنبر ، فقال : ما بال رجال يعملون بالمتعة ولا يشهدون عدولا ، (ما تمتع رجل) (1) ولم يبينها الا حددته ، قال : أخبرني : هذا القول عن عمر من تحت منبره سمعه حين يقوله ، قال : فتلقاه الناس ) (2).

-------------------

(1) هذه الزيادة ساقطة في نسختي من المصنف ، أدرجتها نقلا عن كتاب معالم المدرستين للعسكري 2/278 والمعنى لا يستقيم الا بها.

(2) مصنف عبد الرزاق 7/399 رواية رقم : 14108 ، وهذه الرواية =

(48)

 

 

وأخرج مسلم في صحيحه بسنده ، عن أبي الزبير ، قال : (سمعت جابر ابن عبد الله الأنصاري ، يقول : كنا نستمتع بالقبضة من التمر والدقيق الأيام على عهد رسول الله (ص)  وأبي بكر حتى نهى عنـه عمـر فـي شأن عمرو بن حريث ) (1).

ومن يتمعن في هذا الخبر الصحيح - المروي في كتاب يعتبر أحد أصح الكتب عند أهل السنة - يظهر له جليا أن جابر ابن عبد الله الأنصاري وجميع الصحابة الذين استمتعوا في عهد رسول الله (ص)ومن بعده في عهد أبي بكر وبرهة من الزمن من خلافة عمر لا علم

-------------------

= صريحة جدا في أن عمر بن الخطاب كان يرى باجتهاد منه أنه لابد من الأشهاد على نكاح المتعة وأنه انما توعد وهدد برجم فاعلها إذا لم يشهد عدولا على نكاحه ، نعم هناك روايات تدل على أنه حرمها مطلقا.

(1) صحيح مسلم 4/131.

(49)

 

 

لهم بالتحريم ، ولا دليل عندهم على ذلك لا من كتاب الله ولا من سنة نبيه (ص)ولذلك كانوا يمارسونها دون أدنى تحرج منها ، حتى نهى عنها عمر بن الخطاب.

كما يوقفك هذا الخبر على بطلان وكذب الخبر الذي رواه الطبراني في معجمه الأوسط(1) وغيره والذي ينسب فيه إلى جابر ابن عبد الله الأنصاري أنه قال : (خرجنا ومعنا النسوة اللاتي استمتعنا بهن ، فقال رسول الله (ص) هن حرام إلى يوم القيامة فودعننا عند ذلك فسميت عند ذلك ثنية الوداع ، وما كانت قبل ذلك الا ثنية الركاب ) فلو كان ما في هذه الرواية صحيحا وأن النبي (ص)نهى عن التمتع إلى يوم القيامة فلماذا تمتع جابر وغيره من الصحابة بعد هذا التحريم والنهي منه (ص) ،

-------------------

(1) المعجم الأوسط 1/287.

(50)

 

 

ولماذا نسب التحريم إلى عمر ولم ينسبه إلى رسول الله (ص)حسب ما أفادته رواية مسلم ،

وأخرج عبد الرزاق بسند صحيح ، قال : ( ، عن ابن جريح ، قال : أخبرني : أبو الزبير ، قال : سمعت جابر ابن عبد الله ، يقول : استمتعنا أصحاب النبي (ص)  حتى نُهي عمرو ابن حريث ، قال : وقال جابر : إذا انقضى الأجل فبدا لهما إن يتعاودا فليمهرها مهرا آخر ، قال : وسأله بعضنا كم تعتد ، قال حيضة واحدة كن يعتددنها للمستمتع بهن ) (1).

وأخرج عبد الرزاق بسند صحيح أيضا ، قال : ( ، عن ابن جريح ، قال : أخبرني : أبو الزبير أنه سمع جابر ابن عبد الله ، يقول قدم عمرو بن حريث من الكوفة فاستمتع بمولاة ، فأتي بها عمر وهي حبلى فسألها ، فقالت : استمتع بي

-------------------

(1) مصنف عبد الرزاق 7/398 رواية رقم : 14102.

(51)

 

 

عمرو بن حريث ، فسأله فأخبره بذلك أمرا ظاهرا ، قال : فهلا غيرها ، فذلك حين نهى عنها ، قال ابن جريح وأخبرني : من أصدق أن عليا ، قال : بالكوفة : لولا ما سبق من رأي عمر بن الخطاب - أو قال : من رأي ابن الخطاب - لأمرت بالمتعة ، ثم ما زنى الا شقي ) (1).

فهذه الروايات كلها صريحة في أن الناهي ، عن المتعة هو عمر بن الخطاب ، وأن دعوى التحريم من الله أو من رسوله (ص) مزعومة لم يكن لها وجود في عهد الصحابة فلذلك كانوا يفعلونها في حياة النبي (ص) وبعد وفاته طوال امرة أبي بكر وحتى أواخر امرة عمر إلى أن صدر النهي عنها من عمر وهدد فاعلها بالعقاب والرجم ، ولم يخصع العديد من الصحابة والكثير من الناس لهذا التحريم العمري فكانوا يمارسونها ويفتون بجوازها.

-------------------

(1) مصنف عبد الرزاق 7/399 رواية رقم : 14106.

(52)

 

 

ففي مصنف عبد الرزاق بسند رجاله ثقات ، قال : (، عن ابن جريح ، قال : أخبرني : عبد الله بن عثمان بن خثيم ، قال : كانت امرأة عراقية تنسك جميلة لها ابن يقال له : أبو أمية وكان سعيد ابن جبير يكثر الدخول عليها ، قلت : يا أبا عبد الله ما أكثر ما تدخل على هذه المرأة ، قال : إنا قد نكحناها ذلك النكاح >للمتعة< قال : وأخبرني : أن سعيدا ، قال له :  هي أحل من شرب الماء للمتعة ) (1).

وفيه أيضا بسند صحيح ، قال : ( ، عن ابن جريح ، قال : أخبرني : عطاء أنه سمع ابن عباس يراها - المتعة - الآن حلالا وأخبرني : أنه كان يقرأ  : { فما استمتعتمْ بِهِ مِنهن - إلى أجل - فأتوهن أجورهن } ، وقال ابن عباس : في حرف أبي >إلى أجل< ، قال عطاء : وأخبرني : من شئت ، عن أبي سعيد الخدري ، قال : لقد كان أحدنا

-------------------

(1) مصنف عبد الرزاق 7/493 رواية رقم : 14020.

(53)

 

 

يستمتع بملىء القدح سويقا ، وقال : صفوان : هذا ابن عباس يفتي بالزنا ، فقال ابن عباس : إني لا أفتي بالزنا ، أفنسي صفوان أم أراكة ، فوالله إن ابنها لمن ذلك ، أفزنا هو ، قال : واستمتع بها رجل من بني جمح ) (1).

وفيه : ( وقال أبو الزبير وسمعت جابر ابن عبد الله ، يقول : استمتع معاوية بن أبي سفيان مقدمه من الطائف على ثقيف بمولاة ابن الحضرمي يقال لها :معانة ، قال جابر : ثم أدركت معانة خلافة معاوية فكان معاوية يرسل اليها بجائزة في كل عام حتى ماتت ) (2).

وفي كتاب بداية المجتهد لابن رشد القرطبي ، قال : (واشتهر ، عن ابن عباس تحليله - نكاح المتعة - وتبع ابن عباس على القول به أصحابه من أهل مكة وأهل اليمن

-------------------

(1) مصنف عبد الرزاق 7/397 رواية رقم : 14099.

(2) مصنف عبد الرزاق 7/398.

(54)

 

 

ورووا أن ابن عباس كان يحتج لذلك بقوله تعالى : { فما استمتعتمْ بِهِ مِنهن فأتوهن أجورهن فريضَة ولا جُناحَ علَيْكمْ } وفي حرف عنه إلى أجل مسمى وروي عنه : ما كانت المتعة الا رحمة من الله عز وجل رحم بها أمة محمد (ص) ولولا نهي عمر (ر) عنها ما اضطر إلى الزنا الا شقي ) (1).

والخلاصة : إن نكاح المتعة مما أحله الله في كتابه وعلى لسان نبيه (ص) ، ومات رسول الله (ص)ولم ينزل شيء من القرآن في حرمته ولا نهى عنه رسول الله (ص)وإنما نهى عنه عمر بن الخطاب في آخر أيام خلافته ، فامتنع عنه من امتنع وبقي جماعة من المسلمين منهم من الصحابة على القول بحليته ، وعليه فدعوى عثمان الخميس حرمته دعوى باطلة فهو حلال إلى يوم القيامة

-------------------

(1) بداية المجتهد 2/43- 44.

(55)

 

 

لأن حلآل محمد حلال إلى يوم القيامة وحرامه حرامه إلى يوم القيامة ، والحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.

حسن عبد الله

(56)